الأحد، 25 مارس 2012

هذا ما رأيت على دوار الداخلية


هذا ما رأيت على دوار الداخلية 

قدمنا الى الدوار عند الساعة الثانية عشر من ظهر يوم الخميس 24 آذار 2011 ، كانت حبات المطر تنزل بهدوء ينذر بيوم ماطر وبارد ، دخلنا الميدان المسمى رسميا بإسم جمال عبدالناصر و الذي يشكل نقطة ربط بين عدة اماكن في مدينتنا عمان الحبيبة . ما هي الا لحظات حتى جاءت مجموعات من الشباب يحملون الاعلام الاردنية و اليافطات التي تدعو الى الاصلاح ، رأيت في عيون الشباب المعنويات العالية و الروح الاردنية الابية ، رايت في عيونهم العزم و التصميم ، لم اتخيل انني سألتقي مثل هذا الشباب الرائع ، كانوا حضاريين بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، يحملون من اللطف و الادب و الاخلاق و الابتسامات المتبادلة ما لا يمكن وصفه و لا يمكن تخيله في هذا الظرف العصيب ، شباب ازالوا الخوف من قلوبهم و قرروا الهتاف للاردن و الهتاف ضد الفساد و الهتاف للحرية ، ما أروعهم من شباب ، انهم شباب 24 آذار . ـ
اخذ الشباب لهم مكانا من الدوار و لم يغلقوا السير ابدا ، صلينا الظهر ، و الهتاف يعلوا شيئا فشيئا و الاردن اسمه يرتسم على كل الشفاه و الحرية مطلب شرعي للجميع ، الامطار تنزل بغزارة و الشباب يستظلون بالجسر و السير يسير بشكل اعتيادي و الناس ينظرون باعجاب لهذا المنظر الوطني الرائع الذي اصبح نادرا في هذه الايام . جاءت سيارة اعدها الشباب لهذا الغرض تحمل مكبرات الصوت ، الصوت يعلو و الاغاني الوطنية تشدوا على الدوار يتخللها المطالبة بالاصلاح و محاسبة الفاسدين و مزيدا من الحرية بل الحرية الكاملة و غير المنقوصة . ـ
كل هذا يحدث و الاجهزة الامنية تتزايد و تحاول الاحاطة بالجميع ، كانت العلاقة طيبة معهم و بدأت تفصل بيننا و بين فئة اخرى على الجهة المقابلة ، كانت هذه الفئة مجهولة الهوية و تحاول التشويش بمكبرات الصوت و لا تتوقف عن السب و الشتم ، كانت اعداد هذه الفئة بالعشرات . بينما شباب 24 اذار عدة آلاف .ـ
طلب الشباب من اجهزة الامن ابعادهم قليلا لكن الامن رفض بحجة ان هذا حق للجميع و لهم الحق بالتعبير عن آرائهم . دخل الليل و دخل البرد القارص معه اشعل الشباب بعض النيران و نصبوا بعض الخيم و الهتاف يعلوا و الكلمات تلقى و الشعر يغنى .ـ
كان االتلاحم قويا حيث الشباب من جميع الاتجاهات و من جميع الاصول ، كانت المحبة هي العنوان السائد و التعامل الاخوي و التعاون و الايثار سمات واضحة في جو وطني لا يمكن تخيله الا لمن كان حاضرا تلك الليلة ، ليلة الجمعة المباركة ، لم يعكر الصفو الا الهتافات المناوئة لنا من الطرف الاخر و الشتائم و اتهامنا بالكذب . لم يرد الشباب عليهم ابدا و تواصى الجميع على تحمل اي كلمة و اي ضربة منهم ، و التضحية من اجل الوطن .ـ
و عند منتصف الليل بدأت الحجارة تنهال علينا من الطرف الاخر او البلطجية ، و الشباب يهتفون سلمية سلمية ، كانت حجارة كبيرة و تضرب بكل عنف و حقد لم نعتقد ان هذا سيصدر من اخوان لنا ، بدأت الاصابات تكثر حتى وصلت الى 58 اصابة عند الفجر و الشباب لا يردون ابدا و كلما حدثت اصابة نقلناها الى العيادة التي كانت عبارة عن خيمة فيها شباب مختصون بالطب . ساعات طويلة من الليل و الحجارة تنهال و الامن يبعد البلطجية قليلا ثم يتراجع الامن ليعود البلطجية الى مكانهم الذي لا يبعد عنا اكثر من عشرة امتار . لم نفهم شيئا هل الامن يخاف منهم ام ان الديمقراطية و الحرية نزلت على الداخلية مرة واحدة بحيث يسمح للجميع ان يعمل ما يشاء حتى لو ضرب او شتم !!! استعمل الشباب كل الوسائل السلمية للتصدي للحجارة حتى انهم رفعوا الخيم بينهم و بين البلطجية لتكون مصدات للحجارة . كنا نضحك و كلنا ألم على هذا التصرف الطفولي الارعن ، كيف لرجال ان يستعملوا هذا الاسلوب مع اخوان لهم يهتفون بإسم الاردن ، يا لها من وصمة عار ، و يا لها من رعونة لا يمكن فهمها . لم نعرف هل رجال الامن معنا ام ضدنا ، حيث انهم لم يبعدوا البلطجية و في نفس الوقت كانوا يفصلون بيننا و احيانا تأتي الحجارة بهم و قد سقط منهم عدد من الجرحى . و لم يحرك زملائهم ساكنا . هل هذا معقول رجال الامن لا يستطيعون الدفاع عن انفسهم ؟؟؟ـ
صمد شباب 24 اذار حتى الصباح و هم يدافعون عن مكانهم و رسموا خارطة الاردن من الحجارة التي كانت ترمى علينا و احاطوها بالشموع فكان منظرا رائعا و غنوا جميعا " سوف نبقى هنا " و جاء الفجر و رفع احد الشباب الاذان و صلينا الفجر جماعات متعددة و فرادى حتى لا يتم اقتحام الميدان لو صلينا جماعة واحدة . و نحن نصلي كان البلطجية يرفعون مكبرات الصوت باعلى صوت بالاغاني الوطنية التي لا نختلف معهم فيها ، لم اصدق ما ارى ، هل نحن في الاردن ؟ هل تقابل الصلاة بالاغاني الوطنية ؟ من يمثل هؤلاء ؟؟ اسئلة كثيرة تحتاج اجابات .ـ
الاجابات جاءت في اليوم الثاني عندما سرت بعض المعلومات بان المخابرات هي من ارسلت البلطجية و ان الامن كان مقيدا لا يستطيع التصرف معهم . بعد الصلاة و عند خروج اشعة الشمس تراجع الجميع عن مواقعهم و ابتعدنا قليلا عن بعضنا البعض بعد ليلة كاملة لم نذق فيها طعم النوم .ـ
نظف الشباب الميدان و تزايدت الاعداد و بدأ التجهيز لصلاة الجمعة التي حظرها الآلاف من الناس و اثناء خطبة الجمعة كان البلطجية يهتفون باسم الملك الذي كان شباب 24 اذار يهتفون له ايضا و لكن ليس اثناء الصلاة . رفعوا مكبرات الصوت و الاغاني ، كان بعض الناس الذين جاؤوا لحضور الصلاة خائفين من الحجارة حتى قال لي من بجانبي و هو رجل كبير انه يخشى من الغدر اثناء الصلاة لكنني طمأنته بان هذا لن يحدث و بالفعل لم يحدث و الحمد لله حيث رجال الامن يحيطون بالميدان و ابعدوا البلطجية قليلا الى الوراء . و بعد الصلاة اقسمنا على ان لا نرد الاساءة بالاساءة و ان لا نضرب اخواننا حتى لو ضربونا و ان نواجه الضرب و الاعتداء بصدور مفتوحة . بعد ذلك كان البلطجية يتزايدون و الحجارة تهطل بغزارة . و كلما اقتربنا من نهاية النهار ازداد العنف من البلطجية و الشباب يهتفون سلمية سلمية . كان منظرا مستغربا ان نرى شباب يشتمون و يقذفون الاعراض و يؤشرون باشارات معيبة وهم يرفعون صور الملك عبدالله الثاني و يرفعون صوت الاغاني الوطنية . يا لها من مفارقة . و يا للخجل من هذا المنظر المعيب الذي لا يرتقي الى ادنى مستوى من الحضارة . ـ
اقترب غروب الشمس و نفذ صبر الاجهزة الامنية التي لم ندرك انها جاءت باعداد هائلة و على رأسها قوات الدرك كي تقضي على تجمع شباب لا يحمل اي سلاح غير سلاح المحبة و الانتماء للوطن . بدأ الشتم يزداد من البلطجية و دخل الى الميدان جموع غفيرة من البلطجية جاؤوا بهم من فعاليات اخرى في حدائق الحسين و دخلوا ارض الميدان من جهة دوار المدينة يحملون الحجارة و العصي و احتلوا مبنى مجاورا و بدات الحجارة تنهال منهم و بشكل عنيف . و هنا حاول رجال الامن ادخالنا الى داخل الميدان و عندما نقول لهم انظروا كيف تسقط الحجارة كانوا يتوقفون عن محاولة ادخالنا قلنا لهم اننا اخوانكم و رجوناهم ان يحافظوا على الامن و نادى بعض الشباب وبعض حرائر الاردن بمكبرات الصوت و طلبوا من الامن الحماية و طلبوا من الملك التدخل . ازدادت الحجارة و بدأ تدخل الدرك ووقفنا وجها لوجه . ضحكنا و ابتسمنا بوجه اخواننا من الدرك و الامن و طلبنا منهم تركنا للمطالبة بحقوقنا و حريتنا لكنهم صارحونا بانهم مامورون و لا يستطيعون مخالفة الاوامر حافظنا على القسم و لم نضرب اي من رجال الامن او الدرك و بدأ الهجوم و تراجعنا امام الضرب و سقط منا الكثير على الارض وسط تدخل البلطجية يضربون كل من يسقط على الارض . خرجت من الميدان و أنا أحمل شابا مكسور اليد و الرجل . استشهد منا واحد و جرح اكثر من مئة و خمسين . لم اصدق ما ارى و انا اشاهد احد البلطجية يضرب مرأة خارجة من الميدان . و لم اصدق نفسي و احد رجال الامن يسقط احد الشباب على الارض و ناتي لنفكه فاذا بالبلطجية يقولون للشرطي هذا معنا فيقوم الشرطي بتركه . يا له من يوم دام للاردن و للحرية و للثقة بين المواطن و رجل الامن . مع كل هذا شكرت احد رجال الامن على طرف الدوار و قلت له شكرا لكم . لينظر لنا بنظرة و كأنه يقول :" نحن مجبرون على ذلك ". لكن ما شاهدناه بعد ذلك كان اشد وطأة حيث رجال الامن و البلطجية يحتفلون داخل الميدان . يحتفلون بنصرهم على شباب عزل لا يملكون اي سلاح و جاؤوا ليهتفوا للاردن و للحرية و لمحاربة الفساد . ـ
خرجنا من الميدان و الشباب يهتفون للاردن و يتواعدون بالعودة قريبا و عدم التنازل عن الحقوق مهما كان الثمن .ـ
انها صفحة من صفحات الايام سيطويها شباب 24 اذار دون ان يتنازلوا عن حقوقهم من اجل الاردن و من اجل الحرية ، لكن هل الطرف الاخر سيطويها ايضا ؟؟؟
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني اليه بالخلد نفسي
ـ
عبدالله اللواما
29/3/2011
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق