الأربعاء، 27 فبراير 2013

الديمقراطية و الاسلام


الديمقراطية و الاسلام
الديمقراطية : هي حكم الشعب ، و الشعب لا يستطيع ان يجتمع دائما لهذا تجري انتخابات و يتم انتخاب برلمان يمثل الشعب ليتكلم باسمه و يقرر عنه ، و في الديمقراطية البرلمان هو لتشريع القوانين و الانظمة و الرقابة على الحكومة .
انا  ارى ان الديمقراطية لا تتعارض مع الاسلام بل ارى ان الديمقراطية كمفهوم هي احدى الادوات التي اقرها الاسلام عندما قام اتخاذ القرار بين المسلمين على مبدأ الشورى ، حيث لم يكن القائد يقرر شيئا دون الرجوع الى الناس او الى الذين يقعون تحت حكمه . و لم يكن الرسول الكريم يتخذ قرارا الا بالرجوع للمسلمين و استشارتهم .
اما عن مبدأ التشريع فإن هناك نوعين من هذه التشريعات و هي تشريعات متوافقة مع الاسلام و تشريعات لا تتوافق مع الاسلام .... و معظم القوانين و الانظمة من ناحية الكم و ليس النوع في الدول العربية لا تتعارض مع الاسلام فيما يبقى جزء منها و يبدو ان هذا الجزء مهم لم يطبق . و  ارى ان الظروف هي التي تحدد ما اذا كان على المسلمين ان يطبقوا حكما ما او ان يوقفوا العمل به و الظروف هذه قد تكون ظروف اقتصادية مثلما فعل عمر بن الخطاب عندما اوقف قطع اليد للسارق بسبب الحاجة الملحة في زمن المجاعة عندما مرت البلاد بالقحط ، كما ان الاسلام لم يكن قاسيا في تطبيق الاحكام  كما يصوره البعض او كما يفهمه بعض المسلمين  فقد روي ان النبي الكريم لم يكن متسرعا في النطق بالحكم بل انه حاول ان يترك مجالا للتوبة دون تطبيق الحكم على المرأة الزانية التي جاءت و اعترفت على نفسها و ادار ظهره اكثر من مرة عنها مبديا عدم رغبته في تطبيق الحكم عليها و تركها لتتوب الى الله لكن اصرار المرأة على تطبيق الحكم عليها دفعه الى اعطائها مهلة لتضع المولود و ترضعه ثم تم تطبيق حكم الرجم عليها ، هذا يعني ان الاسلام جاء ليطبق احكامه التي يرتضيها الناس و ليس التي تفرض عليهم . و من العوامل التي تمنع تطبيق الاحكام عوامل داخليه و خارجية ، اقتصادية و سياسية و اجتماعية و ايضا مدى تمكن الدولة و مدى التقبل للاحكام بين الناس و رغبتهم في ذلك او عدم رغبتهم .
و جاء في الحديث الشريف ان الرسول الكريم كان يوصي اصحابه : "    وإن حاصرتَ حصنًا فأرادوكَ أن ينزِلوا على حُكمِ اللَّهِ فلا تُنزِلهم على حُكمِ اللَّهِ ولَكن أنزِلهم على حُكمِكَ فإنَّكَ لا تدري أتصيبُ فيهم حُكمَ اللَّهِ أم لا   ".  , و في هذا الحديث يتضح ان هناك مبدأ ثابتا عند المسلمين و هو انه لا يحق لأحد ان يدعي انه يحكم بما انزل الله انما عليه ان يتوخى كل الدقة بمحاولة الحكم بما يتوافق مع الاسلام و احكامه لكنه يقدم الحكم على انه صادر منه و يتحمل مسؤوليته و ليس انه يحمله للاسلام الذي قد يصيب به او يخطيء . اما الاحكام الثابتة كحد القطع و الرجم و الجلد مثلا فهي احكام مرنة و قد جاءت لصالح المجتمع و ليس سيفا مسلطا عليه لهذا ارى ان تطبيقها يجب ان يكون متناسبا مع الموقف و مقبولا من المجتمع و يحقق المصلحة العامة لجميع فئات المجتمع و يعمل على تقوية الاسلام في نفوس الناس و ليس العكس و الا فإنه من الممكن للحاكم المسلم ان لا يطبقها و ان يستخدم وسائل و اساليب و احكام اخرى تعزيرية ( عقوبات ) من اجل الوصول الى تحقيق الغاية و هي الدفاع عن المجتمع و حمايته من الرذيلة و الانحراف و الجرائم .
و الاية التي تقول :" ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ".  تنطبق على الذين يحكمون المجتمع او الدولة و لديهم كل القدرة على التطبيق و تتوفر لهم البيئة المناسبة لتطبيق الاحكام لكنهم لا يطبقونها عمدا  .
الاسلام مرن جدا في التطبيق و الذي يقرأ عن تفاعل الاسلام مع الحياة في زمن الرسول الكريم ثم الخلفاء الراشدين ثم من جاء بعدهم من بعض الحكام الصالحين مثل عمر بن عبدالعزيز فإنه يستنتج ان الاسلام تعامل مع التشريع و تطبيق الاحكام بطريقة مرنة و مختلفة حسب الموقف و الزمن و الظروف و الاحداث . و طريقة انتخاب الحاكم او الخليفة في الاسلام جاءت بطرق متعددة و ليس بطريقة واحدة فقد تكون اختيارا من النخبة السياسية و بالتوافق كما حدث مع ابو بكر الصديق او بالتعيين كما حدث مع عمر بن الخطاب او بالانتخاب كما حدث مع عثمان بن عفان او باختيار الجمهور كما حدث مع علي بن ابي طالب او بالوراثة كما حدث مع عمر بن عبد العزيز ، الاسلام لم يحدد طريقة معينة لاختيار الحاكم او النائب و ترك ذلك للمسلمين لتحديد الطريقة التي تناسب الظرف الذي يمرون به و ذلك لانه لا يوجد طريقة معينة وواحدة تصلح في كل زمان و مكان و موقف .
و الاحكام الاسلامية العظيمة جاءت لتنظم الحياة و تنشر العدل و تحقق الرخاء ، و لو اخذنا مبدأ واحدا في الاقتصاد الاسلامي لحلت كل مشاكل الارض الاقتصادية و لأصبح جميع اهل الارض ينعمون بالخير انه مبدأ تحريم الربا ، و باعتراف كبار الاقتصاديين في العالم فإن نظام الفوائد ( الربا ) هو الذي قاد العالم الى هذا الوضع الاقتصادي الخطير و هو الذي سبب المجاعات و الموت لملايين البشر ، و مع هذا فإنني ارى ان المجتمع الاسلامي و الدول الاسلامية غير قادرة حاليا على منع الربا و لا ارى مشكلة في التعاطي معه للضرورة فقط مرحليا حتى يكون لهم قدرة على تغييره سواء بشكل تدريجي او مرة واحدة عن طريق اقامة نظام اقتصاد عالمي جديد ، مع ملاحظة ان الديمقراطية لا تشرع الفوائد او الربا لكن الدول التي تأخذ الديمقراطية كمنهج هي التي شرعته و اخذت به كأساس للاقتصاد و فرضته على الجميع .
ان الاسلام لا يتعارض مع اطلاق الحريات و نشر ثقافة الحوار و تقبل الاخر ، و اي مشكلة في هذا الموضوع فمردها الى بعض المسلمين الذين لم يفهموا الاسلام بشكل صحيح او انهم طبقوه بما يتوافق مع اهوائهم او مصالحهم ، لقد عاش المسلمون مع خليط كبير من الديانات والمذاهب والثقافات و القوميات و العرقيات و الاتجاهات الفكرية المختلفة و مع هذا كان الناس يعيشون بخير و هناء و كانت الدولة الاسلامية مثالا للعدل و الحرية و الانفتاح على الجميع .
اما بالنسبة للديمقراطية كمفهوم في العصر الحالي فإنه يشير الى نشر الحريات و الاعتماد على رأي الشعب في اتخاذ القرارت . و الديمقراطية هي بمعناها الخاص هي اداة من الادوات التي يأخذ بها المجتمع الذي يريد الازدهار . و اذا اخذنا الديمقراطية بمعناها العام بأنها منهج حياة و مجموعة من الانظمة و القيم التي تحقق العدالة و الحرية ولو قارناها مع الاسلام فإننا نجد ان الاسلام اعم و اشمل من الديمقراطية و ان الديمقراطية ليست الا جزءا صغيرا من نظام الاسلام و جاءت على اشكال مختلفة و بمسميات مختلفة حيث جاء مصطلح الشورى كمفهوم يساوي مفهوم حكم الشعب .
ان انتخاب الحاكم و صندوق الاقتراع ليست الا جزءا من الديمقراطية  ، و البعض في الغرب يقولون ان الديمقراطية قد تأتي احيانا بالطغاة مثلما حدث مع هتلر ، و هذا الاعتقاد موجود في الغرب بشكل عميق لهذا فهم لا يسمحون بوصول اي كان الى رئاسة البلاد او الى البرلمان و ان بدى لنا غير ذلك لكن الواقع ان النخب السياسية و الاجتماعية في الغرب تكون لها الكلمة عن طريق القوانين و الانظمة و الادوات الثقافية و الاعلامية في توجيه الشعب نحو خيارات تصب جميعها في مصلحة الدولة و لو اخذنا الولايات المتحدة فإننا نجد ان التنافس يقوم على حزبين كبيرين الديمقراطي و الجمهوري و كلاهما يصبان في بحيرة مصالح الدولة الاميركية و كذلك الامر في بريطانيا حيث حزب العمال و حزب المحافظين .
و اننا كعرب او كمسلمين يجب ان نأخذ الديمقراطية و الحرية و نوظفها بما يتوافق مع القيم و المصالح و العادات  الشرقية و  العربية و  الاسلامية حيث ان الغالبية العظمى من السكان شرقيين و عرب و مسلمين . و هذا يجب ان لا يكون على حساب الاديان او القوميات او الاتجاهات الفكرية الاخرى . و اننا  نقبل بالنظام الديمقراطي الذي يتيح للشعب باختيار ممثليه و نطلق الحريات بحيث لا تتعارض مع قيمنا فمثلا نحن لا نقبل بمفهوم التعري الذي قد يقبله بعض الغربيين لكننا في نفس الوقت لا نضع حدودا للحرية في اللباس سواء للشباب او الشابات و هذا ينطبق ايضا على الحرية الفكرية .
و الخلاصة ان الاسلام كنظام عالمي يستوعب الاديان و المذاهب و المباديء و القيم و الافكار للحضارات الاخرى و يدمجها معه أو  يتعايش معها و هو قادر على حماية نفسه و الاستقلالية عنها و في نفس الوقت لا يقف في طريقها او يمنعها بل و يعطيها الحرية الكاملة في ممارسة جميع الاعمال التي تؤمن بها و تقدسها و تتوافق معها . و اعتقد ان الديمقراطية لا تتعارض مع الاسلام اذا فهمناها كما فهمها الغرب و طبقوها على حياتهم التي قد تختلف في بعض الامور عن حياتنا . و كما ان الاسلام لا يطبق بدون اقامة دولة تؤمن به و تضع القوانين و الانظمة بما يتوافق معه فإن الديمقراطية ايضا لا تتحقق بدون وجود الدولة التي تؤمن بها و تضع القوانين و الانظمة التي تحققها بل و تفرضها . و بما ان الاسلام لا يتعارض مع الديمقراطية فإنه من الممكن اقامة دولة مدنية تقوم على الاخذ بالانظمة و الاحكام الاسلامية المتوافق عليها من المجتمع كاملا بكل اطيافه تماما مثلما يتم الاخذ بالانظمة و القوانين الديمقراطية المتوافق عليها من المجتمع كاملا بكل اطيافه . و اذا اردنا ازدهارا و تقدما في العصر الحالي فإننا لن نجد بديلا عن الدولة المدنية التي تعترف بالاسلام و الديمقراطية و تنشر مباديء العدل و المساواة و الحرية ، و غير هذا فإننا سنبقى ندور في نفس المكان و ربما اننا نتراجع ايضا فنضيع و نضيع الاوطان بالرغم من وجود الحل امام اعيننا ، الدولة المدنية .
ـ
عبدالله اللواما
7/2/2013
ـ
ـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق