السبت، 14 يوليو 2012

شكرا اميركا .. و لكن .. ـ


شكرا اميركا .. و لكن .. ـ

لا تهمني الاتهامات و لا انصاع لأوامر أولئك الذين يدعون الوطنية و يرتمون في احضان الغرب و يقتلون شعوبهم ، و اقدر شعور كل وطني غيور على البلاد العربية و الاسلامية و اؤكد له انني معه قلبا و قالبا و انني  متساويا معه في الشعور الوطني و القومي و الاسلامي   و ان عندي من الانتماء ما يكفي لأن أقاوم من اجل وطني و أمتي حتى الموت ... و مع هذا اقول شكرا  لأميركا و لكن .ـ
لم يعد العالم دول متفرقة تحكمها انظمة بانفراد بل اصبح العالم الان ما يشبه الدولة الكبيرة و باتت الشعوب متصلة مع بعضها اتصالا لم يتوفر في اي وقت مضى من التاريخ و اصبح واجبا على الدول  الكبيرة و الاكثر حضارة  ان تمسك بأيدي الدول  الاقل حضارة و تقودها الى ما ينفع شعوبها و يجنبها الكوارث و الحروب و يجنبها السقوط في الهاوية . لا استطيع ان اسرد كل الامثلة على ذلك لانها كثيرة و تحتاج الى كتب و لكن الامثلة امامنا شاهدة فالغرب الذي انقذ تركيا من براثن العسكريين و القوميين الاتراك الذين حولوا تركيا  الى مزعة لهم  و دمروا اقتصادها و اصبح الشعب التركي عبيدا عند قادتهم ، هذا الغرب يجب ان يشكر على ذلك تماما مثلما يشكر احرار تركيا الذين تحركوا لانقاذ بلادهم و لم يتركوها  لمجموعة من اللصوص و الفاسدين و ما كان ذلك ليحدث لولا تفهم احرار تركيا للواقع و انسجامهم مع مبادىء الديمقراطية و الحرية .ـ
ان وقوف اميركا مع الشعوب العربية في الربيع العربي ليس هو الوقوف الاول معها و ان كان جزئيا و ليس كليا و مطلوب من اميركا موقف اكثر تشددا و انحيازا اكبر للديمقراطية و ليس الكلام وحده يكفي ، نعم ليس هو الوقوف الاول بل ان اميركا وقفت مع العرب عام 1956 و حمت البلاد العربية من استعمار جديد من اوروبا و اسرائيل و ان إلتزام اميركا بتوازن القوى في الشرق الاوسط هو امر تشكر عليه  فهي تستخدم القاعدة الت تقول لا يموت الذئب ( اسرائيل ) و لا يفنى القطيع ( العرب ) ، و الذي ارجحه انه لو امتلك احد القادة العرب نصف ما تمتلكه الولايات المتحدة من الاسلحة المتطورة  فلن يتردد هذا القائد العربي عن غزو العالم و تدمير الدول و لن تذرف عيونه الدمع و هو يلقي بالقنبلة النووية على رؤوس المعارضة داخل بلاده . و نحن لا ننسى ابدا انحياز اميركا لاسرائيل لكن هذا الانحياز له ما يفسره حيث اللوبي الصهيوني داخل اميركا و حيث قوة اليهود في العالم مقابل تفرق العرب و عدم اخلاصهم لقضيتهم العادلة . و لا ننسى ايضا ملايين القتلى و الايتام التي خلفتها حروب اميركا على العراق و افغانستان و حروبها في مختلف مناطق العالم مثل  اليابان و فيتنام و اميركا الجنوبية و ان الولايات المتحدة  مسؤولة عن هذه الحروب و عن جميع الضحايا الذين سقطوا ، دون ان ننسى ايضا ان ابناء هذه الامة هم من شارك اميركا في  حربها  علينا بل هم من قادوها الى بلادنا و ان ما قتله الايرانيون و اتباعهم من ابناء العراق و افغانستان ربما يفوق عشرات المرات ما قتله الاميركان انفسهم و ان سماح العرب للقوات الاميركية بالانطلاق من بلادهم يحمل العرب المسؤولية ايضا و ان سكوت الشعوب العربية على ذلك هو ايضا اسهام في هذه الحروب التي لم يعرف حتى الان ماذا جنت الولايات المتحدة منها و ماذا استفادت غير انها دمرت البلاد و تركتها للاخرين .ـ
ان البعض يشبه اميركا بالثور الذي من الممكن قيادته نحو اي اتجاه ، و هناك من يصف اميركا بأنها ليست الا خادمة لاسرائيل او انها تابعة لبريطانيا ، لكن اعتقد ان اميركا كدولة عظمى لها سياسات واضحة تتعلق بمصالحها و قد جاء اوباما و ألقى خطابه التاريخي في القاهرة و طلب من العرب بشكل علني ان يتعاملوا مع اميركا وفقا  للمصالح المشتركة ، و جاء رد الانظمة العربية بشكل يوحي انه عدم انسياق لاميركا  لكن في الواقع كان هناك استجابة لرغبات اميركا التي لا تتعارض مع مصلحة الانظمة و عدم استجابة مع رغبات اميركا التي من الممكن ان تنعش الشعوب و تحقق لها الحرية و الديمقراطية  .ـ
و الولايات المتحدة و هي دولة ناتجة من كل شعوب الارض و هي متعددة الأعراق و الديانات و الاتجاهات الفكرية  استطاعت بناء حضارة مادية فائقة و غير مسبوقة و هي قدمت للبشرية مختلف انواع الصناعات و اثرت العالم بالكثير من التقنيات و التقدم العلمي الذي يفوق الخيال ، هذا الوجه الايجابي يجب ان لا نغفله عند ذكرنا للولايات المتحدة التي تشن حروبها على الدول و الشعوب الاخرى ، فهي تملك وجهان ايجابي و سلبي و علينا استغلال الايجابي منه لمصلحتنا و محاولة تجنب السلبي بما يحفظ الشعوب العربية و بما لا يجعلها تقدم تنازلات كبيرة مقابل ذلك .ـ

و ان قيم الديمقراطية و الحرية التي تدعو لها اميركا يجب استغلالها من الشعوب العربية بحيث تطبقها للخلاص من الانظمة القمعية الدكتاتورية و ليس ان تواجهها بحجة انها قادمة من الخارج او انها تاتي من اميركا لأن عدم تطبيقها او عدم الاخذ بها سيعني البقاء في العبودية و الذل للانظمة المترهلة و للطبقة الاورستقراطية  الفاسدة التي تمتلك الثروات ولها نفوذ مطلق في الحكم .ـ
اعتقد ان الذي منع و يمنع  الانظمة العربية من التغول على شعوبها و من ارتكاب مجازر جماعية بهم هو خوفها من اميركا و بعض الدول الاخرى والمنظمات الدولية و الانسانية فهذه الانظمة لها حد معين في القمع و الابادة و ليست مطلقة اليد على شعوبها و هذا الامر يأتي ضمن تفاهمات طبيعية بين دول العالم المتقدم و الانظمة في العالم الثالث و هو ايضا نتاج لتضارب المصالح و علاقات الشعوب مع بعضها  و هذا ما سخره الله لبقاء البشرية و ديمومتها .ـ

و كم نحن بحاجة الى أحرار يتمسكون بحب وطنهم  و يعشقون ترابه و يموتون من اجله  و يخلصون للامة العربية و الاسلامية    لكنهم في نفس الوقت يفهمون الواقع جيدا و يعرفون اين تكمن مصلحة وطنهم و يدركون موازين القوى العالمية و يعملون بما هو ممكن و ليس بالخيال و بمحاربة طواحين الهواء .ـ
انا اعرف ان البعض سيتفاجأ من مقالتي هذه و ربما يعدها البعض انها  رضوخ للغرب و ارتماء في احضانه و تخل عن الامة لكنني ارجو من الذين سيهاجمونني  و هم صنفان  صنف لا يريد التغيير و مستفيد من هذا الوضع و لا  تهمه مصلحة الامة و غير آبه بضياع الوطن و هو في الواقع تابع للغرب  أو للشرق و يعتاش من تبعيته هذه و يدعي الانتماء و يصف غيره بالخيانة  فهذا الصنف لا يهمني ابدا و لا اسمع له ، اما الصنف الآخر فهو الذي اعتاد على روح المقاومة و روح الإباء و التضحية من اجل المباديء و عدم الرضوخ للاجنبي مهما كانت الاسباب و الامل بشمس الحرية التي ستشرق من داخل الارض العربية لا من واشنطن و لا من اي مكان في العالم  هذا الصنف ارجو منه ان يعذرني على هذه المقالة و ارجو ان يتفهم موقفي ، فأنا ارى وطني يضيع و ارى امتي تائهة و ارى ان الاعداء كثير  و ان المتخاذلين موجودون في كل مكان  و ان الاحرار قليل و ان الاحرار منقسمين و مقسمين و لا يوجد لهم رأي واحد و ان الامة العربية غير قادرة على الوقوف على قدميها دون مساعدة غيرها فهذه الامة اعداؤها من داخلها و احرارها قليل و متخاذلوها كثير و شعوبها ان تحركوا فهم يتحركون فجأة  ولوقت قصير ثم يتحولون الى طبقة صامتة  لا تستجيب لما حولها و لا تؤثر بها وخزات الابر و لا تثيرها الاهانات و الوطن عندها ليس اكثر من مكان للسكن و المعيشة و قضايا الامة عندهم ليس اكثر من ترهات و اكاذيب و خيال .ـ
ان الذي يمرض ابنه يذهب به الى الطبيب و يدخله في افضل المستشفيات و عندما يسمع ان علاجه لا يوجد الا في اميركا فسوف يبذل كل جهده من اجل علاجه في الولايات المتحدة  فكيف بمن يرى وطنه يئن من الجراح و يحتضر و يعرف ايضا ان القرار في واشنطن و ان الجلادين لم يكن لهم ان يفعلوا ما فعلوا بالوطن الا لأنهم حازوا رضا اميركا بواسطة الشرعية التي  يدعون انهم يملكونها من شعوبهم . و ماذا تفعل اميركا لشعوب تصفق لمن يهينها و لمن سرقها و نهبها  و اميركا  في النهاية لا يهمها الا مصلحتها او ما يتوافق مع مصلحتها  ، و انا لا ادعوا الى التسابق مع المتخاذلين لنيل الرضى من اميركا بل ادعوا الى التعامل مع اميركا وفقا لمصالح الامة ووفقا لمصلحة الوطن دون مكابرة  و دون تنازلات كبيرة  . و لا يحق لطرف من الشعب ان يذهب وحده ليتفاهم مع اميركا بل يجب ان يكون هناك تفاهمات داخلية توحد مطالب الشعب و ان تكون رسالة الشعب واضحة لاميركا و هي ان نيل الحرية و الديمقراطية لن يكون مضرا بالمصالح الاميركية  خصوصا الاقتصادية و السياسية منها  ، هذا يتطلب تفهما من  المثقفين العرب و من السياسيين و الناشطين السياسيين على الارض و من ابناء المعارضة  و من مختلف مكونات الشعب فالأوطان هي مسؤولية باعناقهم و لا يمكن تضييعها بشعارات غير واقعية ستؤدي الى هلاك الامة  .ـ
ان الولايات المتحدة  ليست جمعية خيرية بل هي دولة لها مصالح  في المنطقة العربية و في مناطق العالم المختلفة  و هي دولة عظمى و هي الان تتربع على القمة و لا يمكن تجاوزها  و لا يمكن  ان يتم اي تغيير في البلدان العربية دون موافقتها ، هذه هي الحقيقة التي لن اخجل في ذكرها لأن المحب لوطنه و لأمته هو من يوضح الطريق امامها و يبين الحقائق و ليس من يغطي عليها و يستغفل شباب الامة و يتنطع بالكلمات الوردية و الثورية و الحماسية التي تلهب الصدور ثم تتحول الى دخان يشبه دخان الألعاب النارية التي يطلقها الاطفال ..فالكلمات الثورية و الحماسية لابد ان يرافقها الجد و الاخلاص و الاستمرار في الثورة و التضحية من اجل الوطن .ـ
و ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تضحي  بمصالحها من اجل عيون العرب او من اجل الثورات و الحراكات للشعوب العربية لهذا فإن تبادل المصالح هو الذي يفرض نفسه على الواقع و على الاحداث  و ليس مطلوبا من الشعوب العربية اكثر من المطالبة بالديمقراطية و الحرية و النهوض بالبلدان العربية و انقاذها من السقوط الحضاري و الاقتصادي الذي تسببت به الانظمة العربية التي تم تغييرها او التي مازالت حتى الان و هي مترهلة و غير قادرة على الحكم و ادارة البلدان العربية . ـ
اما ان يخرج علينا من يستبق الزمن و ينادي بتحرير فلسطين و القضاء على اميركا و اسرائيل  و تكوين دولة عربية واحدة  الان فهو لا يقرأ الواقع و ليس لديه خبره في مراحل نهوض الامم و لم  يقرأ التاريخ جيدا . ان المطلوب الان من الشعوب العربية هو التخلص من الفساد و سوء ادارة الدولة و الاتجاه الى مرحلة البناء المعنوي والمادي لتقوية ابناء الامة و تزويدهم بالعلم الكافي الذي يؤهلهم الى صناعة حضارة قادرة على مقارعة الاعداء . فنحن الان في مرحلة هزيمة ساحقة لأن الهزيمة ليست من اعدائنا فقط بل من ابناء جلدتنا و من يتربعون على المناصب و يمثلون القيادات .ـ
و الذي يدفع بأبناء الامة ان ينظروا  الى الخارج أو الى اميركا هم أبناء جلدتهم  الظالمين الذين استحوذوا على القرار و على ثروات البلدان العربية و احتموا باميركا و روسيا و اسرائيل و هم لا يتوانون عن سجن و قتل و تدمير كل من خالفهم من المختلفين معهم في الرأي ، و هم  مستعدون لتدمير البلاد و العباد في سبيل عدم ترك السلطة او عدم ترك المكتسبات المادية و المعنوية التي سلبوها من ايدي الشعوب و من ايدي الكادحين من ابناء الامة ، لهذا نقول لهم انتم من تدفعون بابناء الامة الى الرد عليكم بنفس الاسلوب الذي تتبعونه في ظلمكم و عدوانكم .ـ
 و لأن اميركا دولة لها ايجابياتها و لأنها قدمت بعض المواقف التي تدل على انها قابلة للاصطفاف مع الشعوب ضد الانظمة  الظالمة فإنني اقول شكرا لأميركا و لكن ليس قبل ان تصطف اصطفافا كاملا مع الشعوب و ضد الانظمة من اجل تحقيق مبادىء الديمقراطية و الحرية التي تجعل شعوب الارض تعيش وفق منظومة الانسانية في عالم مليء بالسلام و الاستقرار و حياة تحفظ سلامة الشعوب و تصون كرامتها .ـ
ـ
عبدالله اللواما
10/7/2012
ـ
ـ
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق